afterheader desktop

afterheader desktop

after Header Mobile

after Header Mobile

ما يجمع الصحراويين والـموريتانيين أكثر بكثير مما يفرقهم… بقلم: بنعبد الفتاح محمد سالم

الداخلة نيوز: بنعبد الفتاح محمد سالم

ما يجمع الصحراويين والموريتانيين من روابط تاريخية وثقافية وإنسانية أكبر بكثير من أن تتجاوزه أو تلغيه بعض الحسابات السياسوية الضيقة، التي يلجأ إليها الساسة لكي يدغدغوا العواطف عبر توظيف الاحداث التاريخية المعاصرة واللعب على الطروحات العنصرية المتجاوزة.

صحيح أن الدولة القطرية بات واقعا لا يمكن تجاوزه، شأنها شأن الانتماءات المناطقية والجهوية وحتى الشعوبية، لكن ذلك لا يعني التفريط في أواصر القرابة وصلة الرحم الضاربة في أعماق التاريخ، والمترسخة في الوجدان الجمعي لشعوب المنطقة، والتي تتجاوز كل الانتماءات الشوفينية الضيقة..

فإذا كان لكل فرد -أو جماعة- انتماءه الخاص الذي تفرضه ظروف نشأته والتزاماته إزاء ما يراه وطنا يحق له الانتساب له والافتخار به، ويستحق التضحية لأجله، في إطار الدولة الحديثة، والتي تفرض عليه الالتزام بعقد اجتماعي يربطه بها وبمواطنيها وبمؤسساتها، لكن ذلك لا يجيز له تبني الطروحات العنصرية الغير مبررة والمعادية للآخر، التي توظف أحداثا سياسية متجاوزة بغرض التغطية على أجندات سياسية رخيصة، لن تساهم سوى في ترسيخ واقع سياسي مرفوض ومتجاوز.

لا أعتقد أن دارسا واعيا للتاريخ أو الثقافة المحليين بإمكانه أن يتبنى مثل تلك الطروحات العنصرية الرخيصة التي يُطِلُّ علينا بها مروجو الأحقاد والضغائن، والذي يعملون لحساب جهات سياسية معروفة ترتبط بمجموعة من السياسيين الفاسدين والفاشلين في كافة أقطار المنطقة.

من أراد أن يفرق بين الصحراويين والموريتانيين فسيصطدم مع رموز وأعلام الثقافة والتاريخ والهوية المحلية، فلا أدري ماذا سيصنع مع تاريخ عظيم بحجم حضارة المرابطين، ذلك المنتوج المحلية الخالص الذي خرج من المنطقة لكي يشع في وسط وشمال المغرب وفي الأندلس ويصل بريقه الى كل أنحاء العالم.

من أراد أن يفرق بين الجانبين فسيواجه العشرات بل المئات من العائلات والاسر في كلا الجانبين التي تعود أصولها إلى البلد الآخر، جميعها خرّجَت أعلاما ورموزا وزعامات دينية وثقافية محلية.عيله أن يسجل رمزا ثقافيا وأدبيا من حجم محمد ولد الطلبة اليعقوبي في دفاتر الحالة المدنية لأحد بلدان المنطقة ويحسم انتماءه، وهو الذي كان ينشد الشعر ويقرضه في ربوع تيرس قبل قرون من الزمنم، ويسطر أروع اللوحات الأدبية، موثّقا أيام المنطقة ووقائعها، غير آبه بتلك الحدود التي لم تكن قد أنشئت بعد.

عليه أن يحسم في انتماء الشيخ محمد المامي الذي ولد وترعرع في تلك المناطق – التي باتت “حدودية” في غفلة من الزمن- ينشر العلوم ويسطر الحكمة فيها.

وعليه أن يغيّر موقع إحدى أهم المحاضر التاريخية في المنطقة والمتمثلة في محضرة أهل محمد ولد محمد سالم التي استوطنت مناطق باتت بقدرة قادر حدودية، فجعلت منها مراتع للعلم والأدب والحكمة، وخرجت العديد من الأعلام في مختلف المجالات، دون أن تنظر في انتماءاتهم ولا جنسياتهم المصطنعة، قبل أن تصير تلك المناطق عنوان للتصعيد العسكري وملاذا للتهريب والخروج عن القانون وكل أشكال الجريمة المنظمة.

كما عليه أن يقرر جنسية رموز الجهاد والمقاومة بدء من الشيخ ماء العينين وأبناءه وغيرهم من العلماء الذين رافقوهم و الذي نظروا للجهاد وقادوه في بلدان المنطقة جميعا دون أدنى اعتبار للحدود التي وضعها المستعمر، مرورا بعلي بويا ولد ميارة واساعيل ولد الباردي والدخيل ولد سيدي بابا، وغيرهم من رجالات المقاومة الذين قاوموا وجاهدو الاستعمار على طرفي الحدود المصطنعة والتي ما أنزل بها من سلطان، بغض النظر عن الانتماءات الشوفينية والمناطقية الضيقة، وليس انتهاء طبعا عند تجربة جيش التحرير الذي قدمت حجت عناصره من كل مناطق تواجد مجتمع البيظان لكي تنصهر في بوتقة واحدة مشكلة لوحة انسانية قل نظيرها.

بل عليه أن يثبت جنسية أي أب أو جد من الأجيال السابقة حين ولادته، ويرينا شهادة ميلاده أكان موريتانيا أو صحراويا، شأنه شأن كل الاعلام المحليين من العلماء والمجاهدين ورجالات الفكر والثقافة!

شخصيا أجد نفسي محصنا من الانجرار وراء تلك الدعايات الرخيصة التي تحاول الإيقاع بين شعوب المنطقة بفضل اضطلاعي البسيط على تاريخ عائلتي الخاص، أسرة تنتمي لأصول شنقيطية قدمت من منطقة تكانت فاستوطنت تيرس منذ خمسة أجيال خلت، حين أنظر في تراجم الآباء أجد أحدهم ولد بتيرس ودرس بها، وآخر دفن بالسمارة إبان انخراطه في المقاومة، وثالث ارتقى شهيدا بسوس، ورابع توفي بمدينة العيون بعد قضى معظم عمره بشمال المغرب دارسا ومجاهدا ومعلما، وآخرون توفوا بتكانت أو آدرار أو غيرهما من المناطق الموريتانية…، فكيف لي أن أحسم في انتماء أحدهم أو أجرمه؟ وكيف لي أن أعادي جهة أو منطقة لمجرد انجراري وراء دعاية سياسية رخيصة روج لها سياسيون فاشلون، هم وحدهم من يتحملون وزر واقعنا المعاش الموبوء والمليء بكل أشكال وأنماط الفشل وعلى كل الأصعدة.

ليس التاريخ والثقافة وحدهما ما يجمع شعوب المنطقة، فالحاضر والمستقبل المشترك أيض يفرض تصفية الخواطر والنفوس إزاء مختلف القضايا والصراعات السياسية، لكي نتمكن جميعا من تجاوز تلك العقد، عبر تهيئة الأجواء الثقافية والاجتماعية والانسانية بهدف ممارسة الضغط المدني والشعبي على المسئولين، حتى يحسموا في كافة الملفات السياسية العالقة والتي تقف حجر عثرة أمام تنمية وازدهار المنطقة وتحقيق رفاهية شعوبها، وعلى رأس تلك القضايا قضية الصحراء الغربية التي عمرت أكثر من اللازم، بدل النفخ في كير العداء والأحقاد والدفع بأجواء المنطقة في اتجاه التصعيد مجددا بما يخدم قلة قليلة من المفسدين المنتفعين من الوضع الحالي فـ”ما يسمن فالعام المحالي كون الذيب“.


شاهد أيضا