الداخلة نيوز: مصطفى عبدي
خلال افتتاح أشغال المنتدى المغربي الأردني الأول، قال الحسن الداودي وزير التعليم العالي في معرض جوابه على سؤال لنظيره الأردني، بأن مصير المتخرجين من كليات الآداب وكليات الحقوق جل مصيرهم هو البطالة. هذا التصريح الذي صدر عن أسمى مسؤول في وزارة التعليم العالي، أثار جدلاً واسعاً حينئذ، فهو بمثابة اعتراف واضح ومباشر عن عدم حاجة الدولة لهذه التخصصات التي عفى عنها الزمن من منظور المسؤول السامي.
خلال حفل انطلاق النموذج التنموي الجديد لأقاليم الصحراء، أعلن مصطفى التراب أن مجموعته تعتزم استثمار 2 مليار درهم لخلق تيكنوبول سيحتضن جامعة محمد السادس متعددة التخصصات بمدينة العيون، وثانوية للامتياز ومراكز لتأهيل الكفاءات. كما أعلن الرجل عينه، أن مجموعته ستعمد إلى توظيف 500 شاب.
لكن، قبل أيام قليلة، أُعلن عن عملية التوظيف المذكورة تحت مسمى “فوسبوكراع: عملية توظيف 500 شاب في عدة تخصصات”، وهذه العملية تشمل حاملي الشواهد المطلوبة التالية: تقنيين؛ تقنيين متخصصين؛ دبلوم جامعي في تكنولوجيا (DUT)؛ شهاده تقني عالي (BTS)؛ الاجازة في العلوم والتقنيات (LST)؛ ميتريز في العلوم والتقنيات (MST)، في التخصصات الأتية: الميكانيك؛ الكهرباء؛ التبريد؛ الكيمياء الصناعي؛ الهندسة المدنية. وما يثير الدهشة، هي الإشارة التي تضمنها إعلان المباراة والتي تقع أسفل الشواهد المطلوبة، ومفاداها أن الأولوية ستعطى للشباب المؤهلين في الجهة (La priorité sera accordée aux jeunes qualifiés de la région).
إن هذه الشواهد المطلوبة، تكتسي طابعاً تقنياً بامتياز، والمعلوم أن الدولة، وعلى مر العقود الماضية من الزمن، لم تعمد إلى إنشاء مثل هذه المدارس العليا التي تسلم هذه الشواهد التي طلبها اليوم فوسبوكراع لتوظيف إبناء المنطقة. بل لم تخلق لا كلية للآداب، ولا للحقوق التي قال عنهما الحسن الداودي وزير التعليم العالي في معرض جوابه على سؤال لنظيره الأردني، بأن مصير المتخرجين من هذه الكليات هو البطالة. فعن أية اولوية يتحدث الإعلان؟ وكم سيبلغ عدد الشباب الحاملين لهذه الشواهد والمؤهلين من أبناء المنطقة؟. فالمفارقة في إعلان المباراة، هو أنها لا تخاطب إلا القلة القليلة من أبناء المنطقة الذين يتوفرون على هذه التخصصات.
إذن، فالغاية من الإشارة في إعلان المباراة بأن الاولوية ستكون لأبناء المنطقة في عملية التوظيف فوسبوكراع، هي الترويج لأكذوبة مفادها: أن أبناء المنطقة يستفيدون بالأولوية من خيراتها، وها نحن نكرس هذا من خلال عملية التوظيف التي قامت بها الشركة. لكن، الواقع مخالف تماماً لما يحاول أن يروج عن تنزيل ما يعرف “بالجهوية المتقدمة”، وتفعيل النموذج التنموي للأقاليم الجنوبية، والحقيقة هي أن من سيستفيد من عملية التوظيف فوسبوكراع، هم اللذين يتوفرون على الشهادات والمؤهلات التي طلبتها الشركة – طبعاً هم أبناء المناطق الشمالية الذين وفرت لهم الدولة المدارس والمعاهد لتكوينهم في هذه التخصصات-، والكل يعرف أن أبناء الصحراء حرموا من ولوج هذه التخصصات التي لم تعرفها حواضرهم قط، وكل ما في الأمر، هو أنهم يعتزمون خلق جامعة متعددة التخصصات في زمنٍ قادم. أما الأن، فلا يمكنكم أنتم أبناء المنطقة أن تستفيدوا من عملية التوظيف فوسبوكراع التي في جهتكم، لأنكم ببساطة غير مؤهلين لذلك.
وعليه، فإن ما ستسفر عنه هذه العملية، ليس محاولة للإقلاع التنموي بالجهة، وإنما تعميق وإضافة “لصعوبات الاندماج المهني ومشاعر الحرمان، والإحساس بالحيف…” حسب ما جاء في النموذج التنموي للأقاليم الجنوبية، وستعزز نسبة البطالة التي سجلت (15% مقابل 9% وطنياً) ووصلت في صفوف الشباب (28%)، وبالنسبة لحاملي الشهادات العليا سجلت (41%) حسب النموذج التنموي الصادر في أكتوبر 2013، أما الأن في نهاية سنة 2015 فقد تجاوزت نسب البطالة هذا العدد بكثير.
خلاصة القول، هي أنهم دأبوا على الترويج لخطاب معين، ثم بعد مدة يعودون فينقلبون على ما قالوا، وعملية توظيف 500 شاب التي ستقوم بها شركة فوسبوكراع ما هي إلا نموذج تطبيقي للمثل المغربي القائل: “طلع تاكل الكرموس، نزل شكون قالها ليك”.