الداخلة نيوز: بداد محمد سالم
قد يتسائل سائل: كيف يصح وصف النزاع باللعبة؟! وكيف للعبة أن تستغني عن القواعد؟!
صحيح أنه تساؤل مشروع، وأن الاستغراب أيضا مبرر.
لكن ولنزيل الغموض، دعونا نعود قليلا إلى أصل اللعبة وجذورها، ونحدد فاعليها وأدواتها، والتغيرات التي طرأت عليها، حتى وصلت إلى تخمة في إنتاج القواعد وأخرى في عدد الفاعلين والمتدخلين، وأدواتهم المستخدمة.
قد أبدو لك أيها القارئ كما لو كنت متناقضا بين نفي القواعد وإقرارها، لكنني في الحقيقة أريد أن أشد انتباهك، إلى ضرورة التمييز بين القواعد الشكلية الفلكلورية، وبين القواعد الفعالة المستقرة المضمونة النتائج، ولأن التخمة مرض عضوي يؤدي إلى خلل في وظيفة الأعضاء المسؤولة عن الهضم، فلا أحبذ تمييزها عن وباء الجوع و آفة النذرة. فهم وجهان لعملة واحدة.
نعم، لقد فقدت اللعبة فاعلية قواعدها عندما تعددت هذه الأخيرة، وأصبح الفاعلون يلعبون في أكثر من مسرح، فلم نعد ندري عن أي صحراء يتصارعون؟ ولا من أجل من يقاومون؟ وهل فعلا هم من يتفاوضون ويقررون؟
بدأت القصة مذ كانت مجموعة من القبائل الصحراوية، الأشعرية العقيدة، المالكية الفقه، الصوفية الطريقة، البدوية المعيشة، تمارس الرعي والتجارة في حدود شاسعة، تحددها جغرافيا التضاريس والمناخ، لا جغرافية السلطة والمشروعية.
لكن دخول المستعمر الأجنبي على الخط سيجعل بعض هذه الثوابت تنحو في إتجاه التحيين والتطور، والتغيير التام في أحيان أخرى.
إنها سياسة المصالح، وفقه الولاءات، ولعبة الأمم، وقواعد الحضر، كلها متغيرات ستقلب أوراق هذا المجتمع البسيط، لينقسم الى ثلاث مجموعات كبرى:
* مجموعة مجاهدة متشددة ترفض التعاطي مع القوى الاستعمارية، وانتقلت بذلك من تجمعات قبلية معيشية، إلى تجمعات قبلية ايدولوجية تتبنى فكرا جهاديا معاديا ” للنصارى”.
* مجموعة مهادنة لها أيضا مرجعيتها الدينية، ترى في فقه المقاصد والمصالح مرجعا لشرعنة التعاطي والتعامل مع الإدارات الاستعمارية الحديثة، درءا للمفسدة وجلبا للمنفعة.
* مجموعة آثرت بنفسها، واختارت الحياد في الصراع، والثبات على الرعي والتجارة والتعايش مع الوضع السياسي والعسكري الجديد دون أن تكون طرفا في انتاجه، ومعاداته أو شرعنته.
لكن الاتفاقيات والمعاهدات بين القوى الاستعمارية، خاصة ما تعلق منها بتقسيم مناطق النفوذ بين فرنسا واسبانيا لن يترك هذا التقسيم بهذه البساطة و سيفرض تنظيمات وأشكال أخرى لهذه المجموعات، خاصة بعد 1934 السنة التي رسمت الحدود بشكل فعلي وعملي.
بعد هذا التاريخ سيرسم أول مسرح للعبة النزاع، وتبدأ حياكة أولى خيوط المؤامرة على ذلك المجتمع البسيط، وعلى تلك الحدود المفتوحة.
هكذا عودنا المستعمر، لا ينسى أبدا من قاوموه ومن وقفوا أمام مخططاته، لقد كانت هذه المنطقة وقبائلها أخر من وضع السلاح كرها وليس حبا، بفعل قلة الحيلة لا طمعا في الغنيمة.
يتبع…
رابط المشاركة :
شاهد أيضا