مربعات الصراع في الصحراء .. وجوه مكشوفة وأخرى مخفية

الداخلة نيــوز:

تدور في الآونة الأخيرة صراعات سياسية من الحجم الكبير، تختفي وتظهر حسب المكان والزمان ومستوى درجة أهمية المنطقة. فمن كلميم شمالاً إلى الداخلة جنوباً، تتداخل الكثير من المعطيات التي لا بد من ترتيبها ووضعها في السياق العام للأحداث، قبل تفسير وتوضيح المشهد الذي تُقرأ تفاصيله ببساطة رُغم أنها تفاصيل بالغة الأهمية، وقد تُغير مجرى الأحداث وتقلب كفة الميزان في أي لحظة مستقبلاً.

ننطلق من الصراع داخل حزب الإستقلال، الذي بدأ مع تشكيل المجالس المنتخبة سنة 2021، ليتسع شيئاً فشيئاً وسط محاولات محتشمة للملمة شتات البيت الداخلي و رأب الصدع، قبل الوصول إلى النفق المظلم، وإتساع دائرة المواجهة بين الأطراف، وهو واقع الحال اليوم..

فمن الكواليس خرج الصراع إلى العلن، وكُسر جدار الصمت، وقُطعت “شعرة معاوية”.

ما يحدث في الداخلة، يبدو أنه انتقل من خلاف حزبي داخلي إلى محاولة بعض الأطراف التي تمارس السياسة من بعيد جدا، وتحاول أن تحرك المشهد وكأنها تلعب بقطع الشطرنج، ‘محاولتها’ الركوب على صراع ‘حمدي ولد الرشيد’ و’الخطاط ينجا’ وتغذيته بهدف خطف أحد رجالات حزب الإستقلال بالصحراء، والذي يعتبر القوة السياسية رقم واحد بجهة الداخلة. وذلك قبل البدأ في عملية بتر الأذرع، والإجهاز على المشروع سياسي لحزب الميزان بالصحراء.

عضو اللجنة التنفيذية لحزب الميزان، انتظره الكثيرون في الداخلة للإشراف على المؤتمرات الإقليمية للحزب التي سبقت المؤتمر العام الثامن عشر للحزب، لكنه قرر التوجه إلى كلميم ليُشرف على مؤتمرات الحزب هناك، فمرر من الرسائل ما رغب في تمريره، وهو الذي يدرك جيدا أن القواعد الإنتخابية الكبيرة للمرحوم ‘عبد الوهاب بلفقيه’ شيء يسيل اللعاب، هذا الأخير ترك مساحة شاسعة تعج بالقواعد الإنتخابية، وتتسع لكل الفرقاء السياسيين، الذين حتماً سيحاولون، الحصول على حصة الأسد من القيادات والقواعد الحزبية التي تجد نفسها اليوم بدون زعيم، ووسط مشروع مات مع موت رجله الأول وصانعه العصامي (عبد الوهاب بلفقيه).

ما يعزز هذه الفرضية أو القراءة للمشهد، هو حضور الأمين العام لحزب الإستقلال ‘نزار بركة’ بمدينة كلميم خلال الدورة الإقليمية الأخيرة، التي تم عقدها مؤخراً، ليتضح بشكل جلي أن عيون وعقول مخططي حزب الإستقلال تستعد وتعبد الطريق للنزول وبكل ما يملك الحزب من قوة بجهة كلميم واد نون، لتكتمل السيطرة على جهات وأقاليم الصحراء، لما في ذلك من حمولة سياسية قوية جداً.

إذا حاولنا قراءة المشهد بين مايحدث في الداخلة وبين مايحدث كلميم، ستبدأ الرؤية تنكشف لنا بشكل أعمق وأكثر وضوح، فصراع الداخلة لابد من وضعه في السياق العام لحرب ضروس تدور رحاها منذ زمن، بين ‘حمدي ولد الرشيد’ من جهة، وخصمه النافذ من جهة أخرى وهو الطامح إلى تضييق مربع سيطرة ‘حمدي’ الذي يستمر في الإتساع، انطلاقاً من العيون نحو الداخلة جنوبا خلال انتخابات 2015، وإلى السمارة شرقاً خلال انتخابات 2021، كما يطمح إلى تحقيق الكثير بجهة كلميم واد نون خلال انتخابات 2027، معولاً على شعبية ‘عبد الرحيم بوعيدة’ وقدرته على إنتاج خطاب سياسي حاضن للجميع، حتى خصوم الأمس.

مقربون من ‘حمدي ولد الرشيد’ يؤكدون أن عراب حزب الإستقلال بالصحراء لا يزال مُصر على خوض المواجهة مع الظاهر والمُتخفي من خصومه في كلميم من جهة، والإستمرار كذلك في صراعه مع تيار ‘الخطاط ينجا’ بجهة الداخلة وادي الذهب من جهة أخرى، وهي مواجهة ستُطرح معها أسئلة كثيرة تتمحور حول قدرة الرجل على الصمود في معركة الضرب هنا وتلقي الضربات هناك، وسط ما يبدو أنه إصرار منه على اللعب في كل هذه المربعات في الآن نفسه، وبكل ما يملك من قوة.

مؤتمر حزب الإستقلال الذي انتهت أشغاله بإنتخاب الأمين العام واللجنة التنفيذية بعد شهور من التعليق، سيجعل الأنظار تتجه حتما نحو الداخلة، وتُطرح حينها الأسئلة:

هل استغل ‘حمدي’ الصراع بالداخلة للتغطية وحجب الرؤية عن خططه إتجاه كلميم..؟؟

أم أن الداخلة هي مربع المواجهة الحقيقي والأرض الخصبة للنزال بينه وبين خصم الأمس واليوم وكذلك غداً..؟؟

شاهد أيضا