الداخلة نيوز: محمد سالم الزاوي
منذ ساس الخلق وصاروا في علومها ينكتون لم تفارق السياسة نجاسة البشر وضربتهم بالخبث والنفاق وهلم جرة من ضبابية المواقف وتذبذب الاراء والمواقف. حتى صارت السياسة عربية بعمامة دينية تسبح بين تيارات الفقه وتأليه الحاكم وتسييس المصاحف. الى هنا لاتزال السياسة بريئة نوعا ما في ظل توجهاتها الكبرى التي يشترك فيها العالم ويضع لها ثوابت إن وجد أحدها صار للسياسة معنى وذوق. لكنها حين أرتدت هندام الدراعة وصار للبدو حجاج من بيوت المال يعبرون الجهات بحثا عن نخاسة جديدة في عوالم الديمقراطية لم يعد للسياسة معنى ولا للديمقراطية وجود وصار المال فرعون العصر وحاجه الاعظم مالك الحجر والمضر.
علم جديد من علوم السياسة تنفرد به الصحراء دون غيرها من أصقاع وبقاع العالم وحالة مخلجنة لتقديس أصنام نجدية في أرض الساقية والوادي بمباركة السلطة ورضا الدولة وأجهزتها. حتى إذا أختلط مرج الحجيج وربطت الاقدار بين “حاج ثري وحاجة متنفذة” صنع للمحرومين أرباب من كهنة السياسة يسبحون بحمد رازقهم ويحتمون بقوة ناصرتهم ليتبادلوا الأدوار حول الكراسي ويتقاسموا الميزانيات بين ورثتهم وعيالهم وبعدهم فليأتي الطوفان.
حالة من فوضى الحواس لا تكاد تجد لها في عالم السياسة تعريفا ولا في نظريات فرويد ومنتيسكيو تجريدا صريحا لظاهرة جديدة من نخاسة السياسة التي باتت الصحراء عموما مسرحا لها والداخلة خصوصا مرتعا خصبا لأصحابها. أين تصبح مدينة على كبرها سوقا مفتوحا لنخاسة مغلفة يباع فيها الفرد ويشترى ويقذف بجهله في بوتقة منح رأسه الإنتخابي لكهنة بيت المال الذي يغدق في العطاء ويزيل الغطاء عن أكبر أخطاء الدولة بالصحراء وأكثر كوارثها الديمغرافية التي خلفها البصري وأهملها المعاصرون لتصبح شوكة في خاصرة الديمقراطية وميدانا لتنصيب “الفاشلين” من ميسوري “حاج المال الاعظم”.
فما معنى أن تجد في حي “البشر” هذا سماسرة غلاظا سمان يأكلون غلة أعوام الريع من رصيد ذلك “الحاج” ليوصلوه مع خدمه على بساط الإكتساح الإنتخابي لكراسي المسؤولية ؟. وما معنى أن ترى الدولة أبرتايد إنتخابي يمنح أموالها لشعب دون شعب ولعرق دون عرق ؟..
حال وأحوال نعيشها في مدينتنا دون غيرنا. تميزنا بخصائص ادرجت في تحديد هوية البدو أمميا. فمن غيرنا له قبائل مهجنة على المقاس، ونظرية “مؤونة السنة لتفجير النسل”، وفلسفة الجمع بين عليين والعلوة على دفاتر الحالة المدنية. من غيرنا يقدر على دخول الإنتخابات دون أخذ نصيب من القطيع المستعبد في أحياء النخاسة؟. لا أحد يريد شراء الوهم وسط قوم يحلمون بتدويرة الصباح وقهوة المساء ويجدون بنكا ريعيا على ضفاف الخليج متفرغ لخدمتهم ضدا في أبناء المنطقة ورغما عن أنف الدولة وشعارات المساواة والديمقراطية.
علاقتنا بالانتخابات علاقة ولاءات لمن يدفع أكثر وتأثيرنا بات على الهامش في زمن علا فيه كعب الوافدين وبات “للشكارة” عباد لا يعصونها أمرا ولا يفوتون تبويب علامة على خانة صاحبها حتى وإن أكل مالهم وقسم ظهرهم. مخلفات فقهية لتراكمات أخطاء مقصودة تحولت لسياسة ممنهجة يدفع الصحراويين ثمنها على طاولات الوزارات العنصرية ومؤسساتها التي قالت إحداها في خرجة من خرجات عجوزها اللئيم “خرجوا برا عليا”..
كلام وسباب وشتم وإقصاء من دورة الكرامة في صحراء المفارقات وبيداء قتل القتيل والعبور في جنازته بعد أن أعياه الصراخ على عتبات الوالي يطالب بخيراته التي لم يراها ولن تراه. أليس بالحقيبة جهزوا خلقا ليوم النخاسة وبنفس الحقيبة سينهبون حقوق الناس ليبتاعوا لعنترة مجالسهم سيارة جديدة يختزل فيها التنمية.
إنها الصحراء بغروبها وغرابتها والداخلة بمنهجياتها وأدبياتها الفاسدة تستوحي سيرة إسكوبار الوادي الجديد لتعيد وجوها محروقة واخرى مشبوهة الى واجهة السياسة وتمثيل الساكنة في تعويضات سخية وراتب مريح وغياب كامل بعد نهاية الحرب وحساب الاضرار ونجاح المتفوقين ورسوب المتكاسلين.
وحديث التنمية والمسؤولية عندهم بما فيه من انتقائية لما يكون أو لا يكون تحت المجهر ليس سوى أسلوبا جديدا لشراء عطف الناس بأموال الريع والسعي وراء نهبهم. وإذا اتوا على خصم سياسي ضربوه ضربة رجل واحد حتى يتفرق دمه بين صناديق رقيقهم المنتشر.. لوحة فاسدة لطمطم أدسم جاوز عمره الستين وأمواله من عصر السبعين، أين تتمظهر فيه طبائع سلف اغنياء الحرب ومن برروا للعبثية الخلاقة في تاريخ الصحراء حيث أغنت الدولة سافلها وسحقت عاليها ولازال الحال على صيحته الى يومنا هذا.