الداخلة نيوز: محمد سالم الزاوي
لعل أنشغلاتي هذه المرة بترتيبات العودة من السفر وما أعقبه من ملازمتي سرير المرض أنساني جزءا من العبث الذي جرى منذ أيام ولايزال مستمرا حتى يقضي أبريل في الصحراء أمرا كان مفعول.
ذهب “بان كيمون” بعد أن زار المخيمات وأشبعوه من خطابات المظلومية والقهر والتشرد. وحاور مسؤولوا الجبهة عواطفه أكثر من محاورتهم عقليته كأمين عام للأمم المتحدة. لينجحوا في إستصدار أهم وأبرز تصريح يبوح به رئيس أكبر منظمة دولية راعية للملف. وبعد أن فعفعت ديبلوماسية المغرب الأمين العام وأشهرت البطاقة الحمراء في وجهه حين طلب زيارة المنطقة، عادت لتبكي على أطلال رصاصة تصريحاته الموجعة. وجيشت وزارة الداخلية جيوش الجياع والعاطلين وبعض الوطنيين “بالدفع المسبق” ليكرروا مهرجانات الغضب الداخلي التي لا تغني ولا تسمن من جوع. فما الذي أضفته تلك التظاهرات المنظمة من قواد وشيوخ وزارة الداخلية في أزمات السويد والجزائر سابقا حتى تضفيه اليوم في صراع فائق العلو مع أكبر ديبلوماسي دولي بالعالم؟؟.
سؤال قد نجد بين طياته جزءا من الإجابة اللغز التي تمنع العاطفة دوما المغاربة من البوح به. فملف الصحراء له بعده الدولي وميكانيزمات التعاطي معه وفق بنود القانون الدولي وكل ما يحدث داخليا هو فقط للترويج الداخلي لا أكثر ولا أقل، وما دمنا نخجل أو هكذا يبدو من المصارحة بأبعاد الملف دوليا فسنظل نردد مقطوعة المغرب في صحرائه من طنجة الى لكويرة والعالم بأجمعه يضع خطا فاصلا في وسط خريطة البلاد. فكيف السبيل إذا لنزع ذلك الخط اللعين دون أن نغامر بعاطفتنا نحو عزلة دولية بسبب ملف شائك يراد له الدوران في حلقة الركود؟.
لقد كانت لي وقفة مع مسؤول كبير بمكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان. والذي أجابني بصريح العبارة بعد سؤالي له عن أسباب ما قاله الأمين العام الأممي عن المغرب. فرد بأن رفض المغرب زيارته هو السبب والتي تدل في قاموس المنظمة الدولية على شئ وحيد. أي ان هناك امرا في المنطقة يراد تغطيته عن الامين العام. وهو ما جعلني أدرك حينها أن هناك قصورا في الديبلوماسية المغربية عن فهم عقلية أجهزة الأمم المتحدة وموظفيها سواء القانونية منها او العملية.
إذا أحداث عديدة مرت في الأيام السابقة توجت مسلسل العبث هذا وأظهرت كبوات الدولة في تدبير هذا الملف وكيف تعيد حياكة اخطائها دون أن تكرر نسيج التعاطي بعقلانية وتبصر مع عواصف أبريل ورعوده الموسمية. فبعد مسيرات “الخبز والسردين” التي لم تنفع لحد كتابة هذه الاسطر في كبح عبوس وجه “البانكيمون”. أطل علينا رئيس المجلس الإقليمي للداخلة بتصريح مصور يظهر عقلية هذه الزمرة التي توكل لها الدولة مسؤولية الدفاع عن الوحدة الترابية للبلاد أمام الوفود العابرة والزائرة. فالرجل الذي وصف بنوع من التهكم أمام “مستثمر” سعودي جبهة البوليساريو “بالحوثيين” نسي أن السعودية نفسها من تقدم لحوثيي تندوف على وصفه أطنان التمور سنويا كمساعدات، فهل اغفلت القيادة السعودية أمرا خطيرا كهذا حتى يكشفه رئيس المجلس الإقليمي “الدائم” للداخلة. ثم أليس من وصفهم بالحوثيين هم انفسهم من يملكون أقارب وعائلات وأسر تعيش بيننا ومنهم من يجاوره حتى في مدينة الداخلة.
إن زلة لسان من هذا القبيل لا نخالها تضفي على قضية الصحراء غير مزيد من إعطاء الفرص للطرف الاخر للإحتجاج بعنصريتنا وتطرف بعض المحسوبين على الإدارة المغربية خاصة من امثال هذا المنتخب الذي عرف بتبعيته العمياء للولاة والعمال بالجهة.
إن جبهة البوليساريو شئنا أم أبينا يجب إعتبارها جزءا من الهوية المغربية، بل يجب الدفع بإعتبارها كذلك. فما تفرقه السياسة قد تجمعه المشتركات وفي مقدمتها تنوع الهوية وروافدها.
ثالث وجوه العبث جسده بشكل جلي منتدى كرانس مونتانا الذي يعقد دورته في ظل أجواء دولية صعبة يعيشها المغرب في ملف قضية الصحراء. وبدل أن تستغل ميزانيته الضخمة في تشغيل الشباب ودعم الدبلوماسية الموازية التي يقودها أبناء الصحراء. نجد القائمين على المنتدى يبحثون عن شق إعتراف من نجل رئيس إفريقي موالي للطرح الجبهاوي. وكأن مجلس الأمن ينتظر عند كل أبريل صور منتدى من هذا القبيل ليصوت بالإجماع على مغربية الصحراء وجدية مقترح الحكم الذاتي.
ما هكذا تورد الديبلوماسية الناجحة.. ورغم ان الملك كان الوحيد من حاول تغيير واقع التعاطي مع القضية حين منح رئيس الجهة شرف إلقاء رسالته للمشاركين بالمنتدى. فإن السلطات المشرفة على أستدعاء المشاركين بالداخلة. ظلت على عادتها العنصرية القديمة في إبعاد الصحراويين وجعلهم هامشا في منتدى يبيع القرد ويظحك على مشتريه.
إن نكبات ابريل لا يمكن تفاديها وداخل شوارع العيون والداخلة من لازال يأكل “الزرواطة” بسبب مطلب إجتماعي أو إقتصادي بسيط. ولن نسلم من قرصات المنظمات الدولية وجمعيات حقوق الإنسان وهناك صحراويون يرون انفسهم في وطنهم أخداما يعيشون أسفل خط المواطنة بدرجات.
إن أهل الحل والعقد في القضية هم ساكنة الصحراء وفي ظني أن النكبات الاخيرة في ملف الصحراء ستتوالى مع وجود معتقلي أكديم إزيك الذين دخلت قضيتهم مع الامعاء الفارغة مرحلة الخطر. بسبب تعنت الدولة التي لازالت المطالبات بإطلاق سراحهم تتوالى عليها دون جدوى.
إن التعاطي مع ملف الصحراء لايزال يأخذ طريق السنوات الفارطة أين يظهر حب الصحراء المفاجئ والإجماع حولها عند كل أبريل. يظهر حب المقايضة الذي تشتري به الدولة الولاءات ثم ينتهي البيع والشراء عند أنتهاء المهمة. لذلك سيظل دوما أبريل وحده من يظهر لنا إجماع ردات الفعل وينتهي الإجماع مع تبخر كذبه الذي يصدقه الصحراويون اكثر من تصديقهم للعالم.
ختاما سيظل السؤال المطروح متى تنتهي الدولة من ردات الفعل وتأخذ زمام المبادرة وتضع ثقتها في العنصر الصحراوي كمواطن ديبلوماسي لا يقل خبرة وتجربة عن دبلوماسييها الذين فعفعوا المغاربة بسياساتهم المشوهة. فاليوم بان كيمون وغدا سيطفو بانكيمون اخر على السطح والحبل على الجرار.