المبررات الساذجة أو (عفا الله عما سلف)

الداخلة نيوز: محمد سالم الزاوي

الميكانيزمات التي يستعملها الحاكمين في تعاملهم مع من يحكمون ومن يديرون لهم شؤونهم السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية ومن يتحكمون في مستوى صبيب الحقوق لديهم وعليهم توسعة أو تضييق ؛ تختلف بين النظم السياسية وتتباين في مختلف مستوياتها ، ويحدد هذا الاختلاف والتباين التاريخ والجغرافيا ونسب التمدن والتعليم والصحة وقوة المؤسسات التشريعية ومدى إستقلاليتها ومدى فاعلية المجتمع المدني في المشهد وعدد الدراسات الاجتماعية العلمية السنوية وكيف هو شكل الاعلام ومدى تناغمه مع تطلعات المجتمع. وفي مجتمعنا لا تحيد القاعدة فبملاحظة بسيطة يظهر لك الشكل الفسيفسائي الذي نرزح فيه . طبعا نحن عادة نتساءل بإستغراب كبير أين ذهبت الثروة !!. لماذا ممثلونا في المؤسسات السياسية وغيرها لا يعالجون الموضوع بل ولا يتساءلون حتى عن ذلك !!. لماذا التعليم عندنا لازال لم يتجاوز إستعراض العضلات كثرة الشهادات الكرتونية المعلقة دون إستعراض الأفكار !!. لماذا مجتمعنا المدني لا يريد الخروج من قالبه الشمعي في الواجهة ليواجه بؤر الفساد ويوجه المواطنين لمعرفة صالحهم العام !!..
إن موضوع العلاقة الثلاثية بين الحاكمين والميكانيزمات والمحكومين وصل من الأهمية والحساسية ما جعل علماء السياسة يعجزون عن وضع تعريف قار وثابت له ذلك أن المرونة التي يتحلى بها العلم على أرض الواقع وكثرت التغيرات حالت دون وضع قواعد وركائز علمية له ناهيك عن اختلاف المدارس السياسية بأيديولوجياتها ومدى تأثير ذلك.
وعلى العموم فقد ظهر لي بعد فضيحة وثائق “بنما” أن أسقط ملاحظات بطالي حول الموضوع في واقعي المتأزم.
أهل مكة أدرى بشعابها ولايوجد أحد تفاجأ كثيرا بدهشة لما سمعه من إختلاس للأموال وتبييضها في الخارج ( فالدوني من التراب ينعتلك لگسيها) فلم يبقى في جيوبهم الداخلية مكان خالي لفلس واحد فلابد من إيجاد مكان آمن في الخارج .ولأن الشعب موافق ويبارك سرقته وتوحيله في وحل مشاكل (الظو ولما ولكرا وشين السعد) . ولأن مؤسسات المجتمع المدني كل واحدة منها مشغولة برضع ثدي البقرة الباكية .ولأن صحافتنا مفقوءة العين تنظر في إتجاه واحد فهي لن تظهر شيئا لكم
ولكن السؤال الجوهري هل نحن ممن يصابون بالدهشة من أنفسنا ومن واقعنا !!
في هذا الصدد يقول شوبنهاور  ” لا يوجد كائن يندهش من وجوده الخاص بإستثناء الإنسان، فالوجود شيء طبيعي لدى جميع الكائنات إلى درجة أنه لا يثير انتباهها… إن امتلاك الروح الفلسفية يعني القدرة على الدهشة أمام الوقائع الاعتيادية وأشياء الحياة اليومية … وكلما إنحدرت مرتبة الإنسان من حيث العقل، كلما قلت غرابة الوجود بالنسبة إليه..”
نعم لم نصب بالدهشة لأننا متعودين على تقديم لحومنا الحلوة لهم ينهشونها . نعطيهم قرابين كل يوم في قداس مهيب في زريبة المستشفيات . متعودين نحن على مسلسل النهب تغرينا الاحداث الشيقة وملابسات النهب نكت صارت في مقاهينا التعيسة . وهم متعودين على صفعنا من الخلف ونحن متعودين على الإلتفات الى الخلف ببطء حتى يلتفوا معنا فلا نرى أحد ولكننا نعلم أنهم من صفعنا ويصفعنا كل يوم . متعودين على الوقوف كأننا متضامنين مع المصفوع ولكنه تضامن عير تفر إذا سمعت صوت شبيه القسورة . نحب الكلام الفارغ ونمارس معه الجنس بشغف في بيوتنا وشوارعنا وحتى مساجدنا التي لم تتعب من التصفيق لمخرج الفلم 
ميكانيزماتهم غريبة ومضحكة فهم يرون أننا حيوانات عاشبة فيأكلون لحومنا الخلوة ويتركوا لنا برازهم أجلكم الله نتقاتل عليه ونحن نعتقد أن المسألة مسألة مصيرية ! أي مصير ينتظره أبطال بلا بطولة غير السراب في صحراء قاحلة . 
نحن لا يدهشنا شيء لأننا دواجن تعتقد أنها أسود ولأننا نتكل على جمل القطيع المخصي. فحياتنا أشبه بحياة مخنثين يمارسون الديوثية على حقوقهم ويصفقون لذلك بحرارة. فكل شئ يعيد نفسه في هذه البيداء التي لازال طنين المدافع يدوي داخلها لكن بميكانزمات مختلفة بات النهب وسرقة الرعية أكبر معاركها الطاحنة. طبعا مع غياب للمحاسبة أو حتى المساءلة. ولأننا هنا تعودنا السير عميا صما بكما فنحن لا نفقه حتى فقه الإعتراض لأنه نهج قد يوقعنا في المحظور الذي رسمناه في أذهاننا. بل وقد يوقد النعرة التي تفسد ميزاب الحق في أنفسنا فنجد باروكة القبيلة تعيد برجمتنا على تقبل تلك الزمرة لمجرد أنها تملك دما يناسب برجمتنا الجديدة.
لازلت أذكر ذلك الصحفي المقتدر الذي ذهب معي في رحلة قصيرة بالداخلة. فأدهشه حجم العبث الذي نعيش فيه. يومها كان مشدوها الى حقيقة كبرى أخرجها في صفحات لسانه بإعترافه بحقيقة الفرق بين الشمال والجنوب المغربي. وبأن ما يقال وما ترفع به الألسن والاقلام المأجورة في هذا الحيز المكاني ليس سوى لوحة بهية لواقع يراد له أن يطرح في معرض الدول ليقال أننا شعب الله المختار وأننا بابل الشمال الإفريقي. بينما نحن لسنا سوى شعب مأجور وأرض يراد لها العيش في كنف ميكانزماتهم الفوضوية التي تقتل القتيل وتذهب في جنازته .

ختاما لا أعتقد أن التغيير الذي طالما حلمنا به في يقظتنا ستحققه الشعوب التي تعيش في مرحلة النعاس. وحين نستيقظ إن كتب لنا ذلك طبعا فسنجد أنفسنا قد ولجنا في ميكانزمات جديدة لتنويمنا مغناطيسيا على ضرورات المرحلة الجديدة. فنحن هكذا لا نصلح أن نكون يقظين حتى وإن صعقنا الواقع بمنبهاته الكثيرة.


شاهد أيضا