الداخلة نيوز: محمد سالم الزاوي
بعض مجالس الأمم انفقت أموالاً طائلةً لتنفذ من أقطار الحضيض نحو الممارسة السياسية الصحيحة ومجالسنا إن صح التعبير ووفى التحرير انفقت ما انفقت لكي ترجم كما ترجم الشياطين. مجالس كجماعة في حافلة تتدافع فيما بينها لتتقدم نحو الوراء حيث المقاعد العريضة فلا يأتي بها إلى الأمام إلا الفرملة، مجالس لم تعد تبالي بالبوصلة، فقد أضاعت في كل الأحوال الطريق وبات التمييع طريقها الصخري الوعر. مجالس أصبحت مسرحا لتجارب المخزن ومخططاته حتى بدى للناظر أنها دخلت في وحدة مصير مع أم أدريكة وجبال الريف.
صراخ وشجار وأتهامات وملاسنات لم نجد بين أبطالها من يقف في لحظة تأمل على واقع مدينة أغبر لم يعد يفصله عن وجه حلب السورية غير طنين المدافع. وساكنة تتسول أرزاقها في عصر التسعير و التقشف “البنكيراني”. فلما وجد حكام المجالس ساكنة تفتخر بـ “ضرب الصحون والتراشق الكلامي” وفي قطيعة مع “محاسبة إبن العم قبل الغريب”، قاموا باستنساخ مشاهد فوضوية من برلمانات آسيا واليونان لشفاء غليل الغوغاء ومشجعيهم من من ينساق خلف خطابات العربدة والقفز على القانون. مجالس سوقية تواكبها بهرجة وزغاريد من كتائب إلكترونية وإعلامية تحدث الناس عن وجوب الطاعة ولزوم الأغلبية أو المعارضة والصبر على الفقر والمجاعة. حتى أطل قرن الفتنة من مغرزه وصار الجرف يتداعى لحروب بالوكالة قد تكلفنا أرواحا بعد أن كلفتنا ميزانيات ومشاريع تنموية.
حال وأحوال نعيشها لا يعيشها غيرنا. تميزنا بخصائص غريبة في مجالسنا الجديدة. فمن غيرنا يملك مجالس لتصفية الحسابات السياسية ورد الصاع لمن رفض الإستماع. من منا يملك مجالس تخلت عن مشاكل من تمثلهم وراحت تتنابز بالألقاب في عصر الصوت والصورة متبوعة بجمهور عريض يدق الطبول في مجمعات قريش الفيسبوكية والإلكترونية.
علاقة مجالسنا بالعربدة والصياح علاقة لا تمحوها الشهور ولا الأيام. فكم من منافق ولص وما دون ذلك يتحين الشقاق بين الساسة ليجد ضالة جيوبه وسط ندوب الجروح. وكم من الشياطين الإنسية ترجم بعضها بإسم حج الأحزاب فيكفيها أن تتلبس بالميزان تارة وبالسنبلة تارة اخرى أو بالجرار والوردة والمصباح المهم أن ينتهي الصراع بالتراشق والأفضل أن تتأجج النعرات ويزيد تسعير الغضب لخلق فتنة بين الجياع.
أن تكون خطاطيا أو جمانيا هذه الأيام لا يهم المهم أن تصطف مع رئيسك ومع حلفك. وأن تناقش الأشخاص بدل الأفكار. المهم أن تتغافل عن مصير مستقبلك لتنصر رئيسك ظالما ومظلوما. فلا أحد يهتم للمنجزات ولا للتقاعسات ولا أحد ينتقد في حدود الإحترام ولا الإعتراف بما تحقق في حدود الإلتزام. فنحن شعب لا يتوقف عن ما تقوله القبيلة وتحركنا العاطفة كما تحرك الشراع حتى ننتهي لعواصف الفتن وسحاب المحن.
لا أحد من أمة العاطفة يقبل التنازل عن صاحبه حتى وإن سرق ماله وقسم ظهره المهم أن ينزل فيه آيات بينات من وحي الشرف والنزاهة والإستقامة. فالسياسة عندنا لا تزال حائرة في ظلام الجهل تقاد بفقه “أنصر أخاك ظالما ومظلوما”. حتى رجمت المعارضة بجمرات حجيج الرئيس في المجلسين ورجم الرؤساء وأغلبيتهم بجمرات حجيج المعارضة في المجلسين كذلك. فحج المجالس سوق مربحة هذه الأيام يأكل من غلتها الإعلام والأفراد وحتى الساهرون بالأسحار على منصات “الشاي”.
لقد تم تمييع السياسة بجهتنا وصارت حطبا لفتنة نائمة وقودها الجياع والبؤساء من أنصار آوس الجهة وخزرج البلدية. في تقاعس من السلطة التي تعيد تكرار فتيل فتنة “الوكالة” التي أشعلتها مباراة كرة قدم لكنها هذه المرة مباراة لكرة الميزانيات الدسمة وكعكعة تسيل لعاب الناظرين ويتلذذ بها رؤوس المجلسين ومن يناصرهم.
رسالتي لسياسيي الجهة وعلى رأسهم رئيس الجهة ورئيس البلدية بأن يحكموا سلطة العقل والقانون وأن يضعوا حربة التجييش والتحريض التي بدأت نارها تشتعل في هشيم جهة نسيجها المجتمعي بات مقسما بين مذهب خطاطي وآخر جماني. فالإنتخابات شر لابد منه لكن أرواح الناس وأمنهم حق لابد منه وأنتم المسؤول الأول عنه والمحاسب غدا عنه أمام الله . وإن كانت خدمة المواطن غاية لديكم فقد حولتموه لوسيلة من أجل غاياتكم وحساباتكم وخلافاتكم .. فالحذر الحذر من ركوب ظهر لبون إحترقت بوجدور قبلنا بنارها وكادت تتحول لحلبة نزاع قبائلية لا تبقي ولا تذر.
في كل البلاد الديمقراطية تلعب المعارضة دورا رئيسيا في توجيه الاغلبية الحاكمة نحو السكة الصحيحة وفرملة التسيير الفاسد والعشوائي. لكنها للاسف بجهتنا تحولت لمزاد سياسي للتراشق بالإتهامات وبث التفرقة والشقاق بين مكونين حزبيين رئيسيين يتزعم أحدهم الجهة والآخر البلدية. وبدل الرد في الميدان على أتهامات كل طرف بالعمل الجاد وإظهار حسن التدبير على الواقع صار الأمر نحو الصدام وفتح الجروح ما ينذر بفتنة أنجى الله منها أرواحنا.