محمد سالم الزاوي
أجارنا الله وأياكم من الجاريات الطارئات. إنه دهر صار للهرمين فيه حظ اليافعين داخل إنجيل السياسة ولعب فيه كهنة السلطة بصكوك الإرادات فأقعدت الشيخ في كرسيه الجامد ولوحت بالمستقبل في نار دجالها. فصار الناس في لطمة من أمرهم يحيرهم ما يحير أهوال مدينتهم المقنبلة ببوسفور التسيير الأميري لشيخ الكتلة النافذة. فلا عجب إذن حين طلع يأجوج الأقلام الصفراء من أسفل خط النفاق المقنع وعاثوا في إشاعة النفير للفساد ضربا بالغيظ لساكنة سرقة فرحتها في أكياس التبر النقدي. وعاد إليها شيخ الحلالجة في حلة جديدة شعارها “معبودكم في جيوبي”.
إنه مغرب اليوم المتفرد بالداخلة بمقاسات الشيخ والحقيبة وما يتلوها من وحي القبيلة. فلا يغترن الناس بعدها أن يقفوا في طوابير التمرد بعد أن ضاع خطاب ملكهم في تجديد النخب المتقادمة داخل طواحين السلطة التي تسير بأثر رجعي حتى أخرجت عصارة القانون المأكول في بطن القضاء الإداري المائل مع خصر المال أين ما مال. فلا شئ تغير في الداخلة اليوم عدى غضب الناس الأحمر المجلجل سرا في نفوسهم إنتظارا لتحرير قبة البلدية من سلهام شيخ الطريقة العدمية الذي ولجها ببلغته فحرم أحيائها الكبرى من بركته. فلا غرابة أن تحترق المدينة بنار الإنفصال قبل أسابيع قليلة ولاغرابة أن يصطف الناس لصلاة الإستسقاء من أخبار المحاكم ومساطرها أملا في إزالة الغمة عن ثورة صناديق الأمة بشبه جزيرة المهازل الإنتخابية.
لم يترك تسونامي المال في أرخبيل الداخلة المنكوب لضعاف العقول ومصطادي السراب من حظوة العقل إلا ما يدعموا به تسلط التقليدانية السياسية وأنعدام الكفاءة لينصبوها على عرش المجالس أملا في إستزادة نعمهم “الإرتشائية” عند الصباح. تسونامي جارف بلغت سرعته على مقياس المتابعين حدود أكادير وساحلها الجميل حين جرف عدالة القضاء ورماها في يم المحسوبية. فلم يكفها من عمق التحصيل تلخبط هيئة دفاع رئيسنا البلدي المعين ونفيهم حضور الكاتب العام يوم المهزلة وتراجعهم بعد ذلك عن مزاعمهم. كما لم يقنعهم إجماع المدافعين عن المتنازعين حول الشريط المصور كحجة دامغة لإثبات لعب السلطة دور رأس الحربة في مباراة تكوين المجلس البلدي يومها.
عش يوما تسمع عجبا من طمطم أدسم يسود ويحكم بفضل بسطة المال والنفوذ “أدامه الله عليه”. وعش لترى تداخل القضاء وشرعية العشرين صوت زائد واحد في عصر الدمقرطة والدسترة الجديدة وحكومة “إنا للفساد وإنا إليه لمحاربون”. إنها الحرب على الإرادة الملكية والشعبية في التغيير وإماطة اللثام عن أبشع المجالس تسلطا وأنغلاقا ونذرة في الكفاءة. فلم يعد غريبا أن يكون الرجل كبيت المقام يأتى إليه ولا يأتي متحصنا خلف جراد الإنتفاعيين وأنصاره من ساكنة الحي الوحدوي.
إنها ثورة سبتمبر المنهوبة بالداخلة يهبها القضاء لجلادها في حكم مستعجل تتراقص على أنغامه رعاة الشخصانية المتمصلحة، إمعانا في إذكاء نار العداوة مع الساكنة التي رفعت يافطات نفسية من نوع “إرحل” منذ ولجت مخادع التصويت يوم الرابع من سبتمبر. لكن كما للصناديق شأنها فللمال ورياح السلطة المتحيزة شأنها كذلك.
إنه سوق عكاظ الإنتخابي بالداخلة أين يبطل الطامحون وينتصر النافذون ويتقهقر أنصار التجديد في لعبة المصالح التي كادت أن تعصف بالجهة ولازالت تناور لذلك وهي اليوم تعصف بثديها الذي يدر ذهبا بالقضاء بعد أن عصفت بالبلدية ومجلسها الإقليمي من قبل. سوق عكاظ الجديد يعيد البسمة لمرتاديه من متسوقي التسول المدون في صفحات الجرائد والإعلام. ولأن الداخلة اليوم تغيرت وأقبلت بوعيها بعد إدبار عن معرفة حقيقة شيخ الطريقة العدمية. فلا إكراه في السياسة كما لا إكراه في الدين ولن تستطيع السلطة ترويض الناس عن طرد المتآمرين على قطعة من قلوبهم وليس من أرضهم، ولا يستغربن الناس إن واجه شيخنا المحترم مصير “بلفقيه” بكليميم، ومصير رئيس بلدية بوجدور ووجدة وغيرهم كثير.
أي مستقبل ينتظرنا في هذه المدينة، بعد تهكم القضاء والسلطة والمال والنفوذ والفساد بعوائله على مستقبلنا وتفكيكه وحدة المجتمع بمخططات التفرقة التنموية المبنية على جمع أصوات خزان المدينة الإنتخابي.
أين الجهوية؟ واين تجديد النخب؟. سؤال لا تقتصر أبعاده على إظهار الأنفع والأضر في معادلة المتنافسين على الرئاسة بقدر ما ننطلق من إكمال الشيخ حجته في منبره الرئاسي أين أرجع الداخلة للحقبة الموريتانية خلال خمس سنين عجاف ستلقي بمدينتنا في نوستالجيا الحقبة الإسبانية إن إستمرت العبثية الخلاقة في قيادة بلدية المدينة نحو الهاوية. فتدشين الملك في خطابه الاخير لورش الجهوية الضخم يستلزم منا طاقما من خبراء التسيير وإرادة حقيقية لإنتشال الداخلة من مرضها العضال الفاتك ببناها التحتية. ولست هنا في موضع الدفاع عن الرئيس المنافس بل لألقي ما في يميني من حجة بأن التجديد نبراس الحداثة كائن من كان البديل. فما بال الآفاكين من كهنة المشهد القديم يقفون لكل جديد بالمرصاد.
لا ضير إذن أن يعرف الناس موضع الدفاع المقدس عن شيخ البلدية في وحي الفساد بقوله “أن لا تخافوا فنحن الأغنى”. فإما أن تقبلوا وإما أن نكون أول من يفرض القبول.
الداخلة اليوم تقف على شفا جرف الماضي البغيض لبلدية الأسيجة المكهربة بحاشية الشيخ والمريد. ولا عزاء للناس إلا دعم التغيير ومواصلة معركة القضاء حتى إرجاع الشرعية لأصحابها الحقيقيين. عندها فقط نستطيع أن نحلم بمغرب جديد قوامه العدل والمساواة والحرية.
ختاما مهما تكن عند ترويكا الشيخ البلدي من مهرجي الإعلام فلن يسقط عن نفسه حصيلة سنوات من التسلط على مصالح المواطنين وأنهيار جدار شعبيته وسط الساكنة المحلية التي قذفها في بوتقة التهميش واللامبالاة. فلا يغترن بجعبته الطابوهية داخل محاكم بلادنا. فحرب الشرعية سجال يوم لك ويوم عليك. وتلك البداية فقط والبقاء يومها للأكفئ.
واعلموا أنه ما ضاع حق وراءه مطالب.



