هل ذنبنا أننا ولدنا “صحراويين” لنوسم بالهامش..؟؟

الداخلة نيوز: محمد سالم الزاوي

 

لقد حاولت قبل أيام أن أراجع كلماتي من جديد، وأن أوقف مداد التعابير التي أخطها بحماسة الغيرة التي يجبل عليها كل من تمرغ في كثبان الصحراء. لكن شتات الواقع واليأس القاتل من هذا الركام المعيشي والروتين اليومي جعلني أشعر برتابة قاتلة تعيد تكبيل ذاكرتي بل وسجنها للأبد في زنازين الصمت. غير أنه صمت مؤلم لمن يدمر أيامنا تماما كأنين الكلام. 

لم يكن صمتي الذي توقف فجأة بسبب ما حدث مؤخرا من أحداث، لم يعد الصمت سلاحها الفعال. بل إن الكلام نفسه لم يعد يجدي في صحراء الصم البكم التي ظلمتنا الأقدار بلعنة العيش فيها، لذلك أخترنا الصراخ بأعلى التعابير علنا نطرد لعنة “سلالة العزلة” التي تطاردنا تماما كما طاردت أبطال تحفة “كابرييل ماركيز” الخالدة.

لعلي أتساءل دوما هل في هويتنا كصحراويين عرق من خيانة الأوطان وتوجس خلقي يهدي دوما من يقاسمونا رقعة المغرب ليضعونا في حاويات “الإنفصال” التي تجعل صاحبها لا ينفع إلا للزغردة وزيادة شرعنة صناديق الريع الإنتخابية التي تزخرف مدننا كل ست سنوات. فالأيام تسري دون أن نشعر بأن لنا مواطنة من درجة محترمة تقينا شر هذه العزلة القاتلة التي يفرضها علينا حراس المعبد المقدس الواقفين في جادة روابط الإخلاص الذي لم ندخر جهدا لتأكيده لملكنا. لنجد أن “إخلاصنا” مخجل تماما “كحشمة المخلص” في المثل الحساني. إذ لم يشفع لنا ذلك إلا عبر جعل مدير ديوان مستحدث يأخذ مكان أعياننا ومن إرتضيناهم لتمثيلنا في إستقبال الملك الذي إنتظرنا قدومه طويلا.

إنه لمن أبشع دروب الإهانة أن يضعنا والي جهتنا المترف على هامش التاريخ مفسحا المجال لطاقمه الخاص ورفقاء ساعات عمله القصيرة ليكونوا الأسبق لملاقاة ملك البلاد الذي من المفروض أن يجد شيوخنا ومنتخبينا وممثلينا ومن أعادوا  المنطقة طواعية لحظيرة الوطن بفضل إخلاصهم للملك ولأجداده الكرماء. فليس هناك في ربوع المغرب من هم اشد إخلاصا لملك البلاد من هذه الانفس التي تعيش فوق هذا الجرف المظلوم.

إن مشهد البروتوكول الملكي الأمس يلخص أحد أوجه التحكم وعزلة الصحراويين عن ملكهم بفضل جوقة الوالي وأختياراته. ولست هنا بصدد الدفاع عن أحد اكثر من دفاعي عن شيوخ القبائل تحديدا. لأنهم وحدهم من سلموا شرعية الارض للملك ووحدهم من يعني لهم الملك تلك الرمزية التاريخية والشرعية التي جعلته شخصا ذو قداسة ومكانة عالية في قلوبهم. لنتفاجئ بوالي الجهة الذي يعيش في واقعه البورجوازي يزيحهم من صدارة المشهد معوضا إياهم بمدير للديوان وقائد مقاطعة.

إنه إستهتار بنا كصحراويين وإستهتار بملكنا في خضم فرحتنا بقدومه. ولعله عبث ضمن فوضى خلاقة تحرك خيوطها أطراف مستترة تزج بإسم الملك لتشفي غليل حقدها على هويتنا السمراء كصحراويين. ولعل ما جرى من تعيينات أخيرة لأزيد من 70 سفيرا وقنصل في أضخم دفعة تعيينات ملكية بالسلك الديبلوماسي. يجعلنا نشكك في موقعنا من الإعراب ضمن هيكلة ديبلوماسية لم يكتب لنا ان نأخذ منها ولو مثقال قنصلية نائية في ضواحي مقديشو الصومالية.
فهل هو إنعدام الثقة في العنصر الصحراوي..؟؟
أم تهميش بخلفيات عنصرية..؟؟

أسئلة لا يمكن إستجلاء إجاباتها دون الحديث عن نفس البصمات النافذة التي تقدم لوائح التعيينات لجلالة الملك قصد المصادقة على أسماءها. وهي أسماء تخلو من نغمات حسانية. لأنها ببساطة نغمات في اذان بعض متسيدي القرار رجس من عمل أعداء الوطن. عداء يجعلنا دوما أجهل من ان نتجاوز حدود المغرب كموظفين عاديين في السفارات فالاحرى سفراء او قناصلة. فنحن لا يليق بنا دوما غير تأثيث المشهد وماركة مسجلة للتسويق.. نصبح مواطنين بالمناسبة فقط. وحين تنتهي صلاحيتنا فنحن لسنا سوى “صحراوة” عابرين نأكل الغلة ونسب الملة. ولا حظ لنا في أن نزاحم تلك الزمرة التي ترى نفسها أحق في المغرب من غيرها. 

لقد بحثت طويل عن سوق للوطنية على شاكلة سوق “الاحد” بأكادير، او سوق أكثر فخامة على وزن “ميgامول” بالدار البيضاء. لأننا في جهاتنا الجنوبية لازلنا في ذيل التنمية لذلك لم يكتب لنا أن نملك أسواقا من تلك الطينة. ولعله كما أعتدنا العلاج والدراسة في مدن الشمال. نواصل رحلة ولوج الحضارة من جديد لنصبح مغاربة كما نريد لأنفسنا ان نكون، لذلك لا ضير أن نبحث هناك عن مواطنة تؤهلنا لنكون في لائحة السفراء والقناصلة، مواطنة تجعلنا موضع ثقة تلك الجماعة الحارسة للمعبد المقدس. لأنها وحدها من تملك عروة الحل والعقد. ووحدها من تضع بين يدي الملك لوائح كزيت “لكريسطال” خالية من “كوريستول” ضار بالمواطنة إسمه “الصحراويين”.

لقد تمادى حرافيش المواطنة الآرية كما حلم بها هتلر يوما. تارة بإلقاء التهم جزافا على غاربها، فكان ان وصفتنا كاتبة وزارة اخنوش بالإنفصاليين لمجرد أننا لامسنا الجرح الذي تنزف منه ثروة وجهة تعيش على بقايا السردين العفن. ثم تارة يصفنا موقع تابع لأحلاف الريع في قطاع الصيد البحري بالداخلة بأننا حربائيون نتلون مع كل الاطراف السياسية في النزاع كلما سمحت لنا الفرصة. وذلك لأننا دافعنا عن أنفسنا من هجمات ولي نعمه الذي أراد سجننا. ثم أخيرا خرج علينا موقع يخاطبنا بالدارجة ليظهر معدن هويته في صفحات بوابته حين إتهمنا “بلبسالة”، لمجرد زلات في البروتوكول الملكي بالعيون. قد تحدث في كافة المدن المغربية التي يزورها جلالة الملك.

إنها سلسلة طويلة من إشاعة الكراهية وتسويق التهم ضد الهوية الحسانية للمنطقة وبيع لصكوك الوطنية الجاهزة بالكلام العابر. لكنه عموما يبقى كلاما لا يهمنا في ظل عدم وجود ما يثبت صحته. غير ان ما راعنا اليوم أننا نرى جموعا مستترة تحترف نفس الحق وتمتهن نفس الكراهية لكنها تصبو للوقيعة بيننا وبين ملكنا. وهو أمر لن ينجحو في حياكة خيوطه الخبيثة حتى يلج الجمل من سم الخياط. لأننا ببساطة شعب يحترم من يحترمه ويحب من يقاسمه الحب. وتلك صفات لم نجد من يبادلنا اقدارنا فيها ونبادله غير جلالة الملك. لذلك سيظل في قلوبنا وفوق ما يحيكه خفافيش الظلام من جرم الوقيعة بيننا.

ختاما لقد حاول والي الجهة ومن هم على درب مزاجه المتعالي على سحنتنا وسمرتنا ووحدة هويتنا. أن يجعلنا هامشا في تاريخ الزيارة الملكية الخالدة للداخلة. كما حاول رفقاء سلوكه في مجالس القرار قطف أسماء هنودنا السمر من بين سفراء بلادنا المعينين بالعيون وقد نجحوا في ذلك. لكنهم لن ينجحوا ابدا في سرقة عزيمتنا وإخراس أصواتنا لفضحهم أمام الملك والشعب المغربي قاطبة.

شاهد أيضا